المعنى بين القاصد والمؤوّل؟

نحن لا نؤمن بالمعنى لكننا نصنعه، ما اقصده بهذه العبارة الافتتاحية ان النص  بمعناه الاصلي لا يحتمل التأويل لكن الادب بشكله العام وللقارئ الدقيق والرائي لما بعد النص يقف عند نقاط محددة ويرتكز بمعرفته وخبرته على ما وراء النص.

يعتبر التأويل الأدبي عامة والشعري خاصة من المواضيع التي كانت ولا زالت محط اهتمام الدارسين والنقاد لأنه يعد قضية شائكة في حد ذاته يتجلى في مدى ملاءمته للنص الأدبي أثناء مقاربته له.

يحدث ان يؤول النص غير ما يقصده كاتبه وهذا يظهر في الشعر اكثر من الاجناس الاخرى، وذلك لعمقه وتطور طريقة كتابة القصيدة الحديثة. وهذا التطور يحمل في جعبته التطور المتوازي لكل من الكاتب والنص، والقصيدة حين تخرج من جعبة الشاعر تصبح ملكا للمتلقي لتتحقق الاستجابة الجمالية للقصيدة.

يكون التأويل بمثابة جسر تواصل بين القارئ والنص حتى يتجسد له المعنى الحقيقي المفترض القابل للتعدد والاختلاف، ومن هنا تأتي تعدد القراءات التأويلية واختلافها حسب تجارب المتلقي المختلفة وله صلاحية كاملة بتأويل النص حسب البناء والسياق المقصود وغير المقصود، والغرض من التأويل ليس الوصول إلى المعنى الحقيقي فحسب، وإنما يسعى إلى تحقيق متعة جمالية، ويكون بناء على الكفاءة الثقافية للمؤول، وخبراته الإبداعيّة، ومهارته في استخدام التلميحات المناسبة لمعطيات النّص، حتى تتحقق فعاليّته.

ومن واجب المؤول، البحث والاجتهاد من أجل الكشف عن فائض المعنى، مستعملاً بذلك آليات التأويل للولوج إلى النّص بكل ما يحمله من تراكمات قرائية سابقة، اعتماداً على ذاكرته ورؤيته الحدسية واستناداً لمخزونه الثقافي والمعرفي، وما تضيفه قدرته الإبداعية من خلق وابتكار ورغبة منه في استنطاق المسكوت في النص.

فيتحول النص في هذه الحالة من نص إبداعي إلى نص تأويلي، بمشاركة المتلقي الذي يطلق انفتاح التأويل، حيث يصبح النص مساراً مفتوحاً للتأويل الذي ينتج بدوره التعدد والاختلاف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة